عطر القوافي
بريق حروفها انار المعاجم و حرك القرائح وانطق المكنونات فراح العربي ينظم و الغجري يتمتع ويحلم والغربي يسجل في الدروس الخصوصية. فسحرها يخاطب الوجدان و عطرها يجوب الاقطار مخلدا الراسخ فيه و متوجا اياه بتاج الحضارة و منارة العلوم.
تجثو أمامها كل اللغات، نزل بها كتاب خالق السماوات فصارت الأطهر والألمع، وفتق بها لسان ابن خليل الرحمن فاستعربت الاقوام والشعوب، وتفننت السرائر في الوصف والتعبير ورسم الرائع من المشاهد. لغة هي اصل كل اللغات، غنية ولينة تتكيف مع كل العصور والحقب والمواقف والعلوم، فلا تتأثر بالتكرار المفضي للضحك او الملل، فتجد للكلمة كما واسعا من المرادفات التي تسمح بنقش الطباق والجناس والتشبيه و تلوين النصوص بالمحسنات. هي من الحواس الأصلية للمسلم المعاصر، فمن تعلم اللغات الأخرى وحتى إن حاد عن المسار يعيده القرآن للتلذذ بعبق جمال الكلمات وهي تتناسق والجمل وهي تصطف مشكلة النص والنثر و القصيدة.فقد وقف عنترة أمام عبس منشدا ورمى المتأبط شرا خائن الأصل بأبيات وتفنن الفطاحلة في تعليق المأثور من الابداع لتخلده الروايات وقصص الأجداد موثقة ما جادت به خطوط المداد وهي تشيِّد معالم الإجلال والتقدير.
فالمبحر فيها يتلاعب به العباب و يجوب به شواطئ الاندلس و مرافئ الكوفة و البصرة و هي تراسل العالم بالفتحات و الضمات و الكسرات و حتى السكون له موضعه وقت الحكمة فلا اعاصير الغزاة نالت من رونقها و لا طوفان التغريب لامس كرامتها و لا نسيم الخيانة احرجها فبقيت شامخة تكرم طارق البر و تتوج طالب العلم و تترفع عن الوضيع بل و تدعوه بقافيتها الرقيقة لتعلم الابجديات لنيل الرفعة و بريق الوجه وهمة الكرام.
العربية هي لغة القران ولغة خير الانام عليه افضل الصلاة و السلام ولغة أهل الجنان ولغة الإجابة في أول منازل الآخرة للعربي ولغيره فبين قوافيها مسيرة الرجال و في بحورها مواقف الفطاحل وأريج النجوم فبمبتدئها تنبعث الرسالة و بخبرها تعلو الحقيقة و بحالها تتلون الصورة و بمرادفاتها يترسم الغنى و الوفرة و تنبعث القصة كاملة...ذلك انها و بكل بساطة و بلا منازع لغة تجثو أمامها كل اللغات.
محمد بن سنوسي من الجزائر
تعليقات
إرسال تعليق