رؤيا اليمن ... بقلم الشاعر الراقي د. أمين منصور

رؤيا اليمن
        ـ    ـ
فِي ليلَةٍ مِنْ ألَم
إذَا بِي أرَى أُمِي
فِي رُؤيا دَامِية
وكَأنَها أول حُلْم
أرَاهُ فِي حَياتِي
فِي أقْسَى مَسَاء
    ـ      ـ      ـ
إنَهَا أُمِي اليمَن
رَث ثُوبَهَا، حَافِية
فِي طَرِيق مُشْوك
والشَمْس تُحْرِقهَا
فِي بَلَدِ الفَجِيعَة
قَدْ أهْلَكَهَا العَنَاء
    ـ      ـ      ـ
لَمَا رأتْنِي أرْتَجَفَت
ثم تَنَهَدَت، وبَكَت
رَمَت حِمْل عَلِيهَا
أثْقَل مِن الكُون
مَشَت جَرْياً إليَّ
أنَا تَسَمَرْت بالبَقَاء
    ـ      ـ      ـ
وصَلَت بَعْد جُهْد
ضَمَتْنِي لِصَدْرَهَا
حَتَى هَزَنِي مِنْهَا
قَلْبٌ يدُق بِشِدَة
وجَسَد يرْتَجِف
غرِقْنَا فِي البُكَاء
    ـ      ـ      ـ
نَظَرَت لِوجْهِي
وأمْواج الدُمُوع
بِوجْهها أكْثَر ألَم
مِنْ بُحُور دَمْعِي
وآه يا وحْشَتِي
أأمِي شِبْه عَمْياء!
    ـ      ـ      ـ
مَدَت يدَهَا لِخَدِي
تَمْسَح دَمْع، ودَم
تَلَكَأت أول كلمِة
كِيفَك يا ولَدِي؟
وإخْوتك؟ ليتَنِي
كُنْتُ لَكُم الفِدَاء
    ـ      ـ      ـ
أنْتَ، وذَاك، وتِلْك
قُلْتُ: كُلنَا قَابِيل
بِين قَاتِل، وقَتِيل
ونَهْر الدَم يسِيل
كُلنَا قَابِيل يا أُمِي
مَهْمَا تَكُن الأسْمَاء
    ـ      ـ      ـ
هَزَتْنِي يد تَرْجِف
قَالَت:أولادِي إين؟
قُلْت: بِالجَبَهَات
قَالَت:مَنْ يقَاتِلُون؟
هُم، وأنْفُسهُم هُم
لأنْفُسهُم أعْدَاء
    ـ      ـ      ـ
أخْبِرنِي مَالُبْسهُم؟
بَعْضهُم كُل غَالِي
وآخَرِين لا شِيء
وإين يسْكُنُون؟
بَعْضهُم القُصُور
وبَعْضهُم العَرَاء
    ـ      ـ      ـ
مَا ياكُلُون؟ قُل لِي
الغَنِي مَا يشْتَهِي
وقَد رَأيت بالأمْس
عِنْد القُمَامَة طِفْلَة
تَمْتَطِي ظَهْر أُخْتهَا
وهَذَا حَال الفُقَرَاء
    ـ      ـ      ـ
إنَهَا إبْنَتُك بِلْقِيس
تَمْتَطِي ظَهَر أرْوى
وسَبَأ بِشَارِع آخَر
تَتَسَول مَع ذي يزَن
والتُبَع يقَاتِل حِمْير
فِي عَدَن أو صَنْعَاء
    ـ      ـ      ـ
الثَرَوات يا ولَدِي؟
سُرِقَت، نُهِبَت مِنَا
كَانَت تَكْفِي العَالَم
كَانَت يا أُمِي كَانَت
نَحْن فِي زَمَن آخَر
زَمَن ذل بِه الإعِزَاء
    ـ      ـ      ـ
هَل هُم فِي مَأمَن؟
الخُوف مُغْرَم بِهم
المُوت بِكُل غيمَة
الأرْض قَبْر ضَمَهم
والويل، والجَحِيم
وكُل دَرْب للفَنَاء
    ـ      ـ      ـ
تَقَدَمُوا مَع البَشَر؟
وكُل عَالَم حَدِيث
نَعَم تَقَدَمُوا بِكُلهم
بَنُوا حَدَاثَة دَرْبهم
للخَلْف مَرَ سيرَهم
حَياتَهم بِلا حَياء
    ـ      ـ      ـ
ويلِي وآهٍ آهْ آهْ...
آخَر مَا قَالَت أُمِي
مَنْ صَدْرِي سَقَطَت
إلى حُضْن الغِيبُوبَة
والمُنَبِة أيقَضَنِي
ولَم تَزَل فِي إغْمَاء
    ـ      ـ      ـ
° د.أمين منصور المحمودي

تعليقات