/// قراءة في قصيدة ..
(( في بلادي )) ..
للأديب والشاعر السوري : مصطفى الحاج حسين .
بقلم الأديب والشاعر والناقد : عادل نايف البعيني .
---------------------------------------------------------------------
سأنطلق من قراءتي من العتبة الأولى وهي العنوان.. (في بلادي)
فالشاعر لا يحتاج للزمان وكأني بهذا الزمان له أول ولا آخر له. أما المكان فثابت هو بلاده. حيث يثبت الشاعر بحنكته الشعرية وقائع حدثت وتحدث في بلاده. فلجأ للفعل المضارع الفعل الحاضر ليقول ويعرض ما في بلاده:
في بلادي
يحصدُ الفقراءُ
غلالَ الدّمِ
وتقطفُ النّساءُ
سِلالَ الدّمعِ
ويرضعُ الأطفالُ
حليبَ الانفجاراتِ
وتتزيّنُ الفتياتُ
بالشّحوبِ والارتجافِ
ويحملُ الرّجالُ على أكتافِهِمْ
جثَّةَ الخرابِ
أحداث متوالية بأفعال حاضرة (يحصد ، تقطف، يرضع، تتزين) لكن ماذا يحصد الفقراء إنه الدم، وتقطف النساء سلال الدمع، والأطفال يرضعون حليب الانفجارات...
هكذا بدأ الشاعر نصّه فوضع القارئ أمام واقع مأساوي تحياه بلاده إنه الموت الرخيص والدمع السخي والرعب والخوف.
يتابع الكاتب توصيف ما يجري غلى هذا المنوال حتى تتفاقم الأمور فيذبح الأخ أخاه بتهمة الخيانة وتمتد يد الغريب تعيث في البلاد فسادا حتى الأشجار باتت تورق جثثا... وتفحّم الهواء وعمّ الانهيار..
ويتابع حتى آخر القصيدة لتجفّ الخطوات ويتعثر التقدم، وتكبّل النفوس، حتى النبض يتيبس، والدم يتوقف عن الجريان.
في بلادي
صارَتِ الأشجارُ تورِقُ جثثاً
وصارَ النّهارُ يُطِلُّ
على الفاجعةِ
وغدا النّدى
قطرانَ السّرابِ
في بلادي
تفحَّمَ الهواءُ
وصارَ السّلامُ
رماداً
وعمَّ الانهيارُ
وتراكمَ السّخطُ
في صدرِ الغمامِ
في بلادي
جفَّتْ خطواتُنا
وتحوَّلَ نبضُنا يباساً .
ليختم القصيدة دون بارقة أمل، ولا كوة أمل! من خلاص، وكأنّي به يختم الحياة بجفاف التقدم نحو فضاء أوسع، وتوقف النبض عن دفع دماء الحياة. كل هذا من ويلات ما يعانيه شعبه في خضم مأساة تكالب عليه الداخل والخارج تمزيقا وتخريبا وتدميرا.
استطاع الشاعر من خلال معاناته الشخصية، ومعاناة من حوله أن يتمثّل المأساة بعين الخبير القدير فأفلح في تصوير وتوصيف المأساة تاركا الأحداث تتفاقم حتى الخمود. لكنه لم يضع حلولا ولم يترك بارقة أمل، ولم يحاول إنهاض الشعب فيما يجري، وتركه محبطا مليئا بالخيبات.
من الناحية الفنية أبدع الكاتب في تقديم نص مختصر مكثّف بتسلسل أحداث متعاقبة كل ذلك في سلاسة ومقدرة عاليين. ويعود ذلك إلى صدق العاطفة و جيشان الإحساس تجاه وطنٍ هجره مرغما وفيه جزءا من روحه وقلبه.
من حيث الصور البيانية قلما مرت جملة بلا صورة فنية منها المبتكر:
ويرضعُ الأطفالُ
حليبَ الانفجاراتِ
......
غدا الندى
قطران السراب
... ومنها الصور العادية ولكنها ملائمة ومتوافقة مع الواقع والحدث.
أكتفي بتلك الإضاءة شاكرا الأستاذ الشاعر مصطفى الحاج حسين على ما قدمه، من عمل مبدع ومتقن، متمنيا له النجاح والإبداع وعودة الأمن والأمان لربوع بلاده.
عادل نايف البعيني
=================================
القصيدة :
* في بلادي ...*
شعر : مصطفى الحاج حسين .
في بلادي
يحصدُ الفقراءُ
غلالَ الدّمِ
وتقطفُ النّساءُ
سِلالَ الدّمعِ
ويرضعُ الأطفالُ
ُحليبَ الانفجاراتِ
وتتزيّنُ الفتياتُ
بالشّحوبِ والارتجافِ
ويحملُ الرّجالُ على أكتافِهِمْ
جثَّةَ الخرابِ
في بلادي
ترسلُ الشَّمسُ أشعَةَ الهلاكِ
وتتمترسُ الجبالُ
خلفَ المدافعِ
وتأوي العصافيرُ
إلى حجرِ النّارِ
في بلادي
ننصبُ فخاً للقمرِ
نعلّقُهُ على عَمودِ الحقدِ
ونسلخُ عنهُ الضّوءَ
في بلادي
يذبحُ الأخُ أخاهُ
بتهمةِ الخيانةِ
وتكونُ سكّينُهُ
يدَ الغريبِ
في بلادي
صارَتِ الأشجارُ تورِقُ جثثاً
وصارَ النّهارُ يُطِلُّ
على الفاجعةِ
وغدا النّدى
قطرانَ السّرابِ
في بلادي
تفحَّمَ الهواءُ
وصارَ السّلامُ
رماداً
وعمَّ الانهيارُ
وتراكمَ السّخطُ
في صدرِ الغمامِ
في بلادي
جفَّتْ خطواتُنا
وتحوَّلَ نبضُنا يباساً *.
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول
تعليقات
إرسال تعليق