عبقري أم مجنون..
د. غادة ناجي طنطاوي
@Ghada_tantawi
ما كتبه الفيلسوف الدنماركي (سورين كيركجارد) عن العباقرة، بأن هناك شعرة رقيقة جداً تفصل بين العبقرية و الجنون، مقولة استرعت انتباهي!! واتضح لي أن هناك الكثيرين مثله يربطون العبقرية بالجنون والإبداع بالمعانة، مما يعني أن هناك علاقة طردية بين العبقرة والجنون وبين الإبداع والمعاناة.
عرف التاريخ مبدعين أصيبوا بأمراض الفصام ووجداني ثنائي القطب، منهم شكسبير، سارتر، نيتشه، ديكينز، هوجو و هيمنجواي، لكن حياتهم كانت بعيدة كل البعد عن المعاناة، فلكل منهم تاريخ حافل بالإبداعات الأدبية. على صعيدٍ آخر، قد يكون هناك جزء من الحقيقة في ربط العبقرية بالجنون..!! نظراً لقصصٍ تواترت على لسان العرب قديماً لإبن منظور، بأن هناك مكاناً في البادية يطلق عليه (وادي عبقر)، وادٍ سحيق يقع في منطقة نجد، ويقال بأن من امسى ليلةً في هذا الوادي جاءه شاعرٌ من الجن، يلقنه الشعر فيصبح فحلاً من فحوله، وإن كل شاعر من شعراء الجاهلية كان له قرين من هذا الوادي يلقنه الشعر.
عندما قام الأديب طه حسين بدراسة ديوان المتنبي، تبين له أنه كان يعاني من الإكتئاب طيلة حياته، الأمر الذي قاده إلى الجنون، وهذا يتوافق مع ادعائه للنبوة في تلك الحقبة الزمنية.. هنا تأتي المفارقة واضحة !! إذ أن جنون المتنبي أظهر مكنون الإبداع لديه، فلمع إسمه وبات رمزاً من رموز الشعر في تلك الحقبة. وفي نظري المعاناة لا تنجب إبداعاً، بل هي حالات فردية اعتمدت على التقارير والدراسات الطبية. هناك العديد من الناس يعانون من المشكلات النفسية ولم تظهر لديهم أي موهبة بل أعلنوا إستسلامهم فوراً و انتهت حياتهم عند هذا الحد !!
وهذا أيضاً يؤكد صحة ما ذكرت، فإن زاد مقدار المعاناة لدى شخص ليس لديه القدرة على التأقلم وايجاد الحلول، تصبح تلك المعانة آفة تقضي على صاحبها..!! لأنها عقيمة غير قادرة على إنجاب إبداع يستفز مكنونات موهبته الدفينة. لذا فإني مازلت أرى بأن السؤال والجدل قائم بين مدٍ وجزر، لإثبات مقولة (الفنون ضرب من الجنون) دون الوصول إلى نتيجة حاسمة.
تعليقات
إرسال تعليق