الأمير والحسناء
أيلول 2021
في احدى دول شرق آسيا، في أوائل القرن الماضي، تعود الأمير أبن الملك أن يتنكر ويتجول في الأسواق، يسترق السمع لم يدور من أحاديث حول حكم أبيه الملك. كان الناس يتكلمون عن فساد الطبقة الحاكمة التي تنهب الدولة، وتفرض المزيد من الضرائب على المواطنين مستغلين فرصة ضعف الملك، ليسرقوا كل ما أمكنهم من خزائن الدولة.
لقد احتكروا جميع المواد الغذائية والصحية وغيرها، ورفعوا أسعارها بشكل جنوني، حتى بات الفقر والجوع ينخر في عظام سكان تلك الدولة.
وأكثر ما كان يحز في قلب الأمير هو عجز ابيه الملك عن
محاكمة أولئك المسؤولين الكبار في الدولة لأنهم هم الحاكمون وهم ذاتهم السارقون وقد أضحوا أقوى من الملك...وهكذا استشرى الفساد والرشاوي والفقر والجوع في الدولة...
والدا الأمير الملك والملكة، كان يريدان أن يفرحا بولدهم الوحيد، لكن الأمير كان غير راغب في بنات حاشية الملك بسبب قناعته الكاملة بفساد تلك الحاشية.
ذات يوم كان الأمير المتنكر يتنقل في ساحات البلدة يسرق السمع من هنا ومن هناك، لفت نظره صبية جميلة جداً، تحمل سلة وتشتري خضارا...أخذ يراقبها مفتون في جمالها...
في تلك اللحظة، جاء شيخ التجار حتى يمتطي حصانه المربوط بالقرب من بائع الخضار، حرن الحصان وجفل، وسقط كيس نقود الشيخ من جيبه. لاحظت الصبية بأنه لم يراها أحد، التقطت كيس المال وخبأته في سلتها وابتعدت بهدوء
لحقها الأمير المتنكر إلى بيتها، وطلب منها شربة ماء، شرب وتشكر الحسناء وانصرف.
في اليوم التالي جاء الأمير، وطرق باب الصبية، وقدم لها سلة كبيرة مليئة بالخضار والفواكه... استغربت الحسناء وأمها العاجزة هذا الكرم الغريب.
قال أنتما اكرمتماني أمس بكأس ماء، ولا بد لي من رد الجميل الذي فعلتماه لي بمحبة.
قالت الحسناء لكن هذا كثير جداً، نحن لم نعطك شيئا مقابل هذه الهدية غالية الثمن.
استلطفت الحسناء الشاب وأصرت بدعوته الدخول، ليحتسي القهوة، وطال الحديث والشاب أعجبه ذكاء الصبية وطالت الزيارة، وتشابكت العيون، وانفتحت أبواب القلوب...
قالت الحسناء يبدو عليك الفقر من ثيابك المهترئة، ولا بد دفعت مالاً كثيراً حتى اشتريت هذه السلة المليئة بأجود الخضار والفاكهة.
قال الأمير: بصراحة يا سيدتي، انا لا املك نقوداً، أنا أسرق من الاغنياء، وأعطيه إلى الفقراء...
ضحكت الحسناء، وقالت يبدو إنك ذكي يا رجل، تسرق مال الأغنياء، وتعطيه إلى الفقراء، هل أنت من أتباع (روبن هود؟) ضحك الأمير ونطقت القلوب باشتياق القلوب...
في يوم لاحق، جاء الأمير المتنكر يجر حماراً محملاً بمواد غذائية كثيرة، طرق باب الحسناء...والحقيقة طرق باب قلبها...استقبلته الحسناء بفرح العاشقة، وساعدته في إدخال المواد الغذائية إلى البيت... بينما هو أطلق الحمار
قالت يبدو لي منزلك قريب حتى أطلقت الحمار ليعود إلى دارك.
قال لا أبدا. هذا الحمار ليس لي، انا سرقته، هو وحمولته والحمار لم يعد يلزمني. عندما أحتاج حماراً سوف أسرق حمارا آخر
قالت العجوز: يا ابني من كان بمثل ذكائك وفطنتك، لا يمكن أن يكون سارقاً، السارقون هم أناس حمقى وأغبياء... أكيد أنت تخفي ذاتك، ولا أدري ما هو سرك؟
قال الأمير المتنكر، لا يا سيدتي، أنا حرامي محترف، ورجال الملك يطاردونني...لكنني دائما أهرب منهم
لكن لا اخفاك، السرقات الصغيرة لم تعد تقنعني، أنا أنوي سرقة خزنة الأمير أبن الملك...لكنني أبحث عن سارقة ذات خبرة حتى تساعدني
وبعدما نسرق خزنة الأمير نصبح أثرياء، أو امراء، أو حتى ملوكا...وعندها سوف نتوب عن السرقات...
سألت الصبية: لماذا لا تساعدك زوجتك، أليست هي سارقة مثلك؟
قال الشاب: أنا غير متزوج، لكنني سمعت عن حسناء جميلة هي سارقة مثلي، أود أن اتعامل معها، لكنني أخشى أن اصارحها بما اريده، فتهرب مني، وربما تشتكيني لرجال الملك، لتبيض صفحتها......
قالت: الحسناء ومن هي تلك السارقة؟
قال: أنا لا أعرفها. سمعت من بعض الناس الذين كانوا متواجدين قرب متجر الفاكهة، بأن شيخ التجار فقد كيس نقوده، وقال تاجر الخضار صبية مرت من هنا لا يعرفها لكنه اعطى بعض اوصافها، وقال بأنها من أجمل البنات... لكن لا يعرف من تكون. ولا أين تسكن. لذلك أنا أنتظر كل يوم في الغروب تحت شجرة التين، عندما تأتي الصبايا لتملأ جرارهن من عين النبع، ولا بد لي سأعرفها.
في البداية سأجعلها تثق بي، وبعد ذلك سأكشف لها خطتي حتى نسرق خزنة الأمير......
قالت: ربما الناس مخطئون، هناك حسناوات كثيرات في بلدنا وخاصة في قصر الملك، يقال انهن ملكات جمال
قال: ويحك أيتها الشابة أتتهمين نساء القصر بأنهن سارقات؟
لو سمعك الملك، أو ابنه الأمير، لسجناك على الفور.
قرب غروب الشمس، ذهب الأمير المتنكر وجلس تحت شجرة التين... وكان يدرك بان سارقة شيخ التجار ستأتي...ولا بد للسارق أن يتابع الأحداث الجارية، وخاصة هذا صار موعداً مع الحبيب...
وبالفعل أتت الحسناء السارقة، وجلست بجانب الأمير، وسألته بدلع:
ألم تمر سارقة شيخ التجار بعد؟
قال: لا بد ستأتي، وقلبي سيخفق بشدة عندما تمر لأنه يعرف عمن يبحث... وها هو بدأ يخفق بشدة مما يدل على وجودها قريبة جداً من هنا...
الحسناء لم تعد تستطع أن تخفي سرها، والغيرة تنهش قلبها وقالت:
هل لي أن اخبرك بسر؟ أنا هي الحسناء التي سرقت كيس نقود شيخ التجار... لكن لأنني احببتك. وأنت سارق مثلي أخبرك سري...
شهق الأمير متظاهرا بالدهشة والاستغراب وقال: لها اياك أن تقولي مثل هذا الكلام لغيري، الجدران لها آذان...وجنود الملك يسمعون همس الناس، حذاري منهم...حذاري...
في اليوم التالي جاءت الشرطة وسحبت الشابة الحسناء وأمها في عربة إلى القصر...
كان الأمير متنكراً في باحة القصر، عندما شاهدته الحسناء قالت له، وهل انت ايضاً اعتقلوك، يبدو شاهدونا سوية أمس؟
ضحك الأمير وخلع ثوب التنكر وقال أنا هو الذي سيسرق خزنة الأمير، لكنني ابحث عن سارقة تساعدني، وقد وجدت أجملهن...
سقطت الحسناء مغمى، حملها الأمير وأدخلها إل داره وأيقظها وقال لها: حكمنا عليك في السجن المؤبد، في بيت الزوجية، وسوف اسمح لك بسرقة خزنتي، كما سرقت محفظة شيخ التجار...
جن جنون الملك، كيف ابنه يتزوج سارقة ومن العوام، بينما الأميرات يملأن القصر، ولكن أحكام القلب تختلف عن أحكام العقل...
تزوج الأمير السارقة، وصار عرساً سجله التاريخ بجماله. اشتدت عزيمة الأمير، وساعدته الحسناء زوجته بالقضاء على الفاسدين، واحداً بعد الآخر واستعاد منهم مال الشعب وعادت الفرحة للناس، ورجع الذين هاجروا إلى ديارهم سعداء...
كتب القصة: عبده داود
تعليقات
إرسال تعليق