قطاف العنب،//: عبده داود

 قطاف العنب،

آب 2021
بانوراما قصة العنب
هاتف أبو عبود أخته ملكة الساكنة في بيروت، لبنان، يدعوها هي وابنها الدكتور كمال إلى المشاركة في قطاف العنب...
قالت: أنا أتمنى أن يقضي كمال بعض الوقت في النبك، يرتاح من عمله بالمستشفى في بيروت، وأتمنى أن يجد شريكة حياته من بنات بلدنا...
قطاف العنب في ضيعتنا النبك، يجري في شهر ايلول كل عام... وله طقوسه ومراسمه الخاصة، ويعتبر مناسبة نجاح وابتهاج لانه تعب سنة عمل في الأرض من فلاحة وكساح الجفنات ورش الورق وسقي الارض وما شابه...
يدعو أصحاب الكروم الأصدقاء والجيران والشباب والصبايا لمساعدتهم في هذه المهمة الشاقة والجميلة.
في الصباح الباكر يسير الموكب في هرج ومرج، يرتدون ثياب العمل شبه التنكرية، يعتمر الشباب عادة أغطية قماشية تسمى (السلك). الصبايا يعتمرن قبعات نسائية، من تلك القبعات التي كانت تأتينا من أهالينا المهاجرين في الأرجنتين، والتي يخجل بنات ضيعتنا أن يعتمرنها في الأيام العادية... لكنهن يغتنمن مناسبة مثل هذه المناسبة، حتى يتشجعن بارتدائها بحجة الاحتماء من أشعة الشمس وحرارتها...
ويسير الموكب في فرح وضحك وأغاني ونظرات حب وغزل، إلى أن يصلوا إلى الكرم...
هذه السنة كان مع القافلة شاب غريب، عرفوا بأنه الدكتور كمال القادم من لبنان ليزور خاله في سورية، شاب وسيم، وثري، ودكتور ولا يزال عازباً...
الصبايا أخذن يخططن كيف سيتواصلن مع هذا العريس اللقطة... والشباب لم يعجبهم وجود هذا الضيف الذي يشكل خطراً على مصالحهم...
يصلون الكرم، يقوم الكبار يساعدهم الشباب بنصب خيمة كبيرة يشدونها بحبال بين الأشجار إلى اعمدة واوتاد مساعدة، ويفرشون تحتها على الأرض البسط والحصر، ويجلس الجميع لتناول فطوراً خفيفاً أو احتساء الشاي أو القهوة، المته لم تكن معروفة عندنا كثيرا في تلك الايام. تعرفنا عليها بعدما هاجر عدد من أهالينا إلى الأرجنتين في الخمسينات والستينات القرن الماضي.
يقوم أصحاب الكرم بتوزيع العمل على الموجودين. طبعا أهم الأعمال هي جني العنب، وهذه المهمة توكل إلى الشباب والصبايا. يحملون السلال وكل فريق يستلم برحاً، والبرح هو رتلاً من جفنات العنب يقطفون العناقيد منها، ويجمعونها في السلال، ثم يسلمونها إلى الورشة الثانية، ورشة التغطيس، حيث يقومون بتغطيس العنب في حلل أو معاجن كبيرة تحتوي مواداً حافظة مثل (القلو) مضافا اليه زيت الزيتون ومواد أخرى حافظة لم أعد أذكرها الآن...
ينقلون العنب المغطس إلى مكان ممهد خصيصا لنشره تحت أشعة الشمس، حتى يجف تماماً، وعندها يصبح اسمه الزبيب، يأخذون قسما منه لمؤونة التحلية الشتوية مع الجوز، وقسما آخر يصنعون منه الدبس النبكي اللذيذ...
لاحظ الجميع انسجام الدكتور كمال مع معلمة اللغة الانكليزية ليلى، لم يتركا بعضهما البعض طيلة الوقت، وهما يضحكان بفرح، كاد أحد المعجبين في ليلى أن يفقد أعصابه...لولا رفاقه منعوه من عمل طائش...
وجبة الغذاء عادة أكلة يحبها الجميع اسمها الدفين، وهي عبارة عن قطع من (اللحم الضأن) أي لحم الخراف الذي يطبخ مع البرغل وعندما يستوي الطبيخ، يغطس كاملاً بالسمن العربي الأصيل...
وبالفعل كانت أكلة طيبة ولذيذة، وقد قلت: (كانت) لأنه لم يعد يوجد اليوم في السوق، سمن حقيقي غير مغشوش...كان حينها الزمن الجميل...
وقت العصر كان يتوقف العمل ويجتمع الجميع للغذاء والاستراحة، ثم يقمن الصبايا بتصنيع التبولة... ومن منكم أخوتي لا يعرف التبولة...هذه الخلطة من الخضار والبرغل والليمون، التي لا تزال إلى اليوم الأفضل والأكثر انتشاراً وشعبية في سورية ولبنان.
في حال لم ينتهي العمل بذات اليوم، يتابعون العمل في اليوم التالي وهكذا.
بعد الانتهاء من عملية قطاف العنب يأتي المعفرون، للتعفير، والتعفير هو إعادة البحث عن بقايا عناقيد عنب غير مقطوفة، لم ينتبه اليها من سبقهم بالقطاف وهذه يعتبرها المعفرون مكسب حلال. وأهل الكرم يباركون لهم فيها...
ام كمال هاتفت ابنها وقالت له: متى ستعود؟ لا ينفكون يطلبونك في المستشفى؟
أخذ الموبايل ابو عبود وقال: يا أختي ابنك أحب المناخ في النبك، أحب ضيعتنا، يقول: هنا في بلد أجدادي، انفتح قلبي...
كمال وجد الحب، وجد ليلى، تعالوا حتى نلبسهما محابس الخطوبة...
كتبها: عبده داود
سورية
لا يتوفر وصف للصورة.

تعليقات