بائع الخروب. // بقلم د. عز الدين حسين أبو صفية

 حكايات رمضانية.

الحكاية الثالثة ...
بائع الخروب.
تمتلئ دولة فلسطين بالكثير من شجر الخروب و هي شجرة دائمة الخضرة تحمل كل شجرة منها الآلاف من قرون ثمر الخروب أخضر اللون في بدايته ثم مع مرور الوقت ينضج عندما يكتمل لونه باللون البني الداكن و يطلق عليه اللون الخروبي، و يؤكل الخروب بعد نضوجه كنوع من الفاكهة و التي تحتوي على الكثير من المواد الغذائية المفيدة للجسم.
يقوم الناس و بعض الباعة في الاسواق العامة ببيع الخروب بعد أن يقطعون بواسطة آلات خاصة إلى قطع صغيرة حيث يستخدمه السكان لصناعة مشروب الخروب و هو من المشروبات اللذيذة و التي يستخدمها السكان في الضيافة في موسم شهر رمضان، الا ان سحر مشروب الخروب جعل الناس يذهبون إلى الشوارع العامة أو بعض المحال المختصة ببيع المشروبات العديدة و ذلك ليتناولون بعض من مشروب الخروب و تجرى هذه العادة منذ عدة عقود خاصة عندما بدأ بعض الباعة المتجولون في بعض الشوارع الرئيسية من المدن ببيع مشروب الخروب مستخدمين أدوات خاصة يملؤونها بالمشروب و يسكبونه في كاسات زجاجية يعملون على جذب المارين في الشارع بعدة وسائل منها الزيّ الذي يرتديه بائع الخروب الذي يجسد شيئا من الزي الشعبي التراثي و يعتمر البائع الطربوش الأحمر و هو ينشد و يحدى ببعض المقاطع من شعر الفلكلور الشعبي.
و لأن مشروب الخروب يعتبر من المشروبات الرمضانية فهو ينافس المشروبات الرمضانية الأخرى مثل مشروب الكركدي و مشروب التمر هندي اللذين لا يزالا يلقيا رغبة من السكان بتناولهما في شهر رمضان.
و هذه المشروبات الثلاث لا تخلو الموائد الرمضانية ساعة الإفطار من وجودها على طاولة السفرة، من هنا عكف كثير من الناس بصناعتها في منازلهم بعد قيامهم بشراء المواد الخام من التمر هندي و الكركدي و الخروب من الأسواق و المحال التي تمتلئ بتلك المواد حيث يقومون بنقعها في الماء أو غليها و تصفيتها و وضعها في البراد قبل تناولها.
لم يكن الحاج شحدة جديداً على ممارسة مهنة صناعة و بيع مشروب الخروب بل مضى على ممارسته لهذه المهنة منذ أن كان شابا في عامة العشرون من العمر و هو الآن تجاوز السبع و خمسون عاما
اكتسب الحاج شحدة خبرة و مهارة في صناعة مشروب الخروب بالأدوات المنزلية البسيطة و كان لديه خبرة واسعة في ضبط مقادير صناعة الخروب و تحليته بالسكر، فكان يقصده الكثير من الناس في مكان تواجده في ميدان فلسطين بمدينة غزة لتناول مشروب الخروب هم و أزواجهم و أبنائهم حيث يشربون الخروب و هم واقفين لأن الحاج شحدة يتنقل في نفس مكانه بمساحة لا تتجاوز المائتي متر و ليس لديه مكان ثابت و لا يملك مقاعد لجلوس الناس الذين يزداد عددهم خاصة في شهر رمضان حيث الكثير منهم يأتي لشراء الخروب لأخذه إلى منازلهم قبل موعد ساعة الإفطار فكانوا يحضرون معهم بعض الزجاجات البلاستيكية الفارغة ليملأها لهم الحاج شحدة بمشروب الخروب.
مع مرور الوقت نمت لدى الحاج شحدة صدقات كثير مع مختلف الناس من عشاق مشروب الخروب ، منهم من هم أغنياء و يأتونه ليشربوا الخروب في الشارع ، فاقترح عليه أحدهم أن يستقر في مكان في السوق فقال لا أستطيع و أشعر باختناق اذا ما اقدمت على ذلك، فأنا استمتع بمشاهدة الناس و هم يأتون إلى المكان الذي اتواجد فيه هنا و ان اطربهم بأصوات الصاجات التي استخدمها بيدي وأعزف بها أنغام جميلة وأنا احدى الاشعار الشعبية التراثية فيطربون و يضاعفون من شربهم و شرائهم بمشروب الخروب.
تفهم صديقه سلمان لرغبته و اقترح عليه أن يتقبل هدية سيقدمها له تمكنه من ممارسة عمله في بيع الخروب و المشروبات الرمضانية الأخرى فوافق.
لم يكن الحاج شحدة يعلم شيئا عن ما هي الهدية التي سيقدمها له صديقه ظنا منه بأنها قد تكون كمية من مادة الخروب المُقطع خاصة و انه صاحب محال في سوق الزاوية في الشارع الرئيس في مدينة غزة وهو ( شارع عمر المختار ) يبيع فيها كل المستلزمات الغذائية و خاصة مستلزمات شهر رمضان من اجبان و تمور و فواكه مجففة وقمر الدين والبهار من مختلف الأنواع وكذلك الشموع والبخور والألعاب التي يستخدمها الأطفال في لعبهم في رمضان مثل الفوانيس و الأنوار والفراقيع لأصدار أصوات تشبه صوت مدفع رمضان والألعاب النارية المتنوعة .
غاب صديقه سلمان عنه ثلاثة أيام ثم عاد ليلقاه في نفس المكان الذي تعود عليه ،. أوقف سيارته و طلب من احد مرافقيه بأن يقوم بإنزال ما في صندوق السيارة فقام بإنزال الهدية التي سيقدمها سلمان للحاج شحدة الذي دهش مما راه و كأن الله سبحانه و تعالى قد حقق رغبة مكبوتة في قلبه منذ عدة سنوات و لا يملك المال لتحقيقها.
عانق الحاج شحدة صديقه سلمان و قبل وجنتيه و هو يشكره على هذه الهدية التي كان يتمنى أن يمتلكها ليتمكن تحقيق رغبات الناس لشراء مشروب الخروب.
وضع سلمان خمس كراسي بلاستيكية على رصيف الشارع و جلس قبالته الحاج شحدة و السرور بادي على وجهه و هو لم يتوقف عن شكر صديقه سلمان الذي فاجأه بالقول بأن هذه العربة ذات اربع عجلات و تحتوي على صندوق في اسفلها لتخزين المشروبات فيه و جوانبها الثلاث عليها ارفف موضوع عليها كاسات وزجاجات بلاستيكية ذات اللتر و اللترين ليبيعها لمن يرغبون في شراء المشروبات و الخروب ليأخذوه لأسرهم ليشربوه في منازلهم وفي كل رف من الرفوف الخشبية المثبتة مكان مخصص لبيع مشروب الخروب و مشروب الكركدي و مشروب التمر هندي و قد زينت بالوان قوس قزح و ألوان العلم الفلسطيني وفوانيس رمضان و صورة للحاج شحدة بزيه الشعبي و الأدوات التي يستخدمها وهو ( الصباب ) المصنوع من مادة الصاج النحاسي أو الفضي ليملأ الكاسات بعد أن يكون قد ملأه بمشروب الخروب، و بخط جميل و عريض والممزوج ببعض الألوان و من على جوانب العربة الثلاث كتب هنا ملك الخروب.
دُهش الحاج شحدة و هو يثنى على صاحبه و يتشكره و يقول له و الله كأن ليلة القدر فتحت لي، ألف مليون شكر و ان شاء الله هذا ما قدمته لي في هذا الشهر المبارك شهر رمضان أن يجعله الله في ميزان حسناتك صديقي الغالي سلمان .
ضحك صديقه سلمان و هو يقول و هذه الخمسة كراسي البلاستيكية لك ضمن الهدية حتى يجلس عليها كبار السن و من لا يستطيعون الانتظار وافقين .
نهض الحاج شحدة من مكانه مسروراً وبدأ باللعب على الصاجات و هو يشدي و يملأ كاساً زجاجياً بمشروب الخروب و يقدمه هدية لصديق سلمان و يقول :
انا من اليوم ملك الخروب
تعال يا صاحبي تعال يا حبوب
اشرب من ايدي الخروب
خلي همك وغمك يذوب
اشرب التمر هندي
حترجع مرة و مرتين عندي
اشرب الكار كاديه مرة
حتظل تبحث عنه كل مرة
من أيادي الحاج شحدة
اشرب و مش حتصيبك حسرة
اشرب و ادعي لي
بدون شعور ح تجيلي
خروب عسل
اشرب يا صديق و يا جاري العسل
بدأ الناس و المارة بالتجمهر حول الحاج شحدة و الجميع يبارك له ألف مبروك يا حاج ، يا ملك الخروب
الشكر لله و لصديقي الوفي سلمان ، والله انا باحبه من زمان ، أهداني العربة و الكراسي و شوال من الخروب و التمر هندي و الكركدي كمان.
و قال لهم الحاج شحدة : اليوم مشروب الخروب لكم جميعا ... بالمجان.
د. عز الدين حسين أبو صفية
قد تكون صورة لـ ‏‏شخص واحد‏ و‏وقوف‏‏

تعليقات