قصة سندباديون ... الجزء الأول .. بقلم الكاتب موسى غافل الشطري

 قصة طويلة


سندباديون

المقطع الاول


باستطاعة الأولاد، الذين رقّت مشاعرهم وتلألأت ، أن يحلّقوا بأنظارهم، و يتحروا بين النجوم و الأقمار عن آبائهم الأعزاء ، الذين عرجوا إلى السمـــــــــاء.

   وأن يبحثوا عن أسرارها. و ساكنيها المتألّقين . وإذا صعب عليهم ذلك .. فإنهم سيستعينون بأمّهاتهم .

    ( ولّودي)... يرى انه أكثر من غيره  معنيّ بهذا . يتطلّع  إلى  هناك ،  حيث النجوم  ترصّع  إهاب الليل ، فينشدّ بتفكيره : إلى هذا التجمّع الجليل، حتى يحتوي  تأمّله ،  مسافرا طيلة  استيقاضه .  فكيف  لا  يصدّق  مشاهدات صديقه ( حمّودي) ... عندما حدّثه عن أبيه الذي عرج إلى السماء؟

   منذ ذاك ..  ثابر  ( ولّودي ) ... في  بحثه عن  أبيه ، بين  النجوم ، و دجى  الليل الثقيل  . و أوجاع  الرحيل  التي أرّقت فكره . إلى تلك الذكريات في لهوه  مع أبيه. فبترت  صفحاتها ولم يبق منها ، سوى قدحات لذاكرته. وكان .. أنصع  ما يشع  فيها ..  ذلك  اليوم  الذي جيئ  به : محضوناً ، لا يدرك حينها سوى : إن النهار مشمس، و أبوه مُستلقٍ وسط العويل .

 أزاحوا النسوة  المحتشدات .  رأى أبــاه  يستلقي  بصمت ، و عيناه تحدقان بوجهه. لم يبتسم كعادته. لم يتلقاه بين ذراعيه.لبّى (ولّودي) رغبة ذويه ، قبّل  وجنة أبيه و إبتعدوا به .

       لم يزل يتراءى له  صدر أُمّه .. عارياً قرمزيّاً . ثدياها مُتعرٍيان. ثوبها مقدود حتى قدميها . كأنها في عراك .بَحّاء الصوت . و النسوة يُقبِّلنها. لم يكن بوسع ولّودي إلاّ أن ينحني، و يمدّ ذراعيه نحوها.باكياً صارخاً. شابحاً أصابعه . لكن أُمّه ، بدت  منشغلة عنه . ظل يبكي مهلوعا. النسوة والرجال والصغار  يبكون و يصرخون . مكث الأب على استلقائه  صامتاً . يُحدّق بعينين واسعتين، لا يرمشان. كأنه يستمع بانتباه.. إلى أحاديث المتجمّعين .

 الكل .. يتحرّكون . الأولاد يتطلّعون، إلى أبيه بصمت و رهبة. امرأة صغيرة تحتضنه ، لا يتذكرها بوضوح، عارية الصدر، بحّاء الصوت ، يرقد خده على نهديها الصغيرين العاريين . الأب يستمع فقط . لم يستقبل كل هؤلاء كما اعتاد مُرحِّبا بصوت مرح .

  يصخبون ، يدفعون بالنسوة جانباً. تقابلوا على الأب. رفعوه من كتفيه و قدميه. ألأب .. لا يبدي مقاومة. شاهد ولّودي الرقعة الدموية على صدره . شاهد القطعة المدماة، التي  تعصّب  بها .و الأب يواصل صمته.وولودي يصرخ شابحاً اصابع كفّه نحو والده  لا يريدهم يأخذوه . شاهد الرجال وهم ينهالون ضربا على التابوت و يحكما أغلاقه . 

  تنكبوا الصندوق و غادروا به . راقبه و هو يصرخ مذعوراً : 

ـ بابا بابا بابا.

 تطلّع بين الناس إلى أُمّه. رآها تهرع من خلف الصندوق.رافعة ذراعيها.والنسوة يحطن بها. والرجال يدفعونها إلى الخلف برفق . لا يدري .. لماذا يبكي الجميع؟ فأبوه .. لم يضرب أحداً . فقط ..  يرقد في الخشبة المغلقة .لماذا كان يستسلم للرجال ان يفعلوا به كل هذا و يحملوه في الصندوق الخشبي على الاكتاف .

  امرأة ..عارية الصدر ، منثورة الشعر.مدماة الخدّين، احتضنت أُمّه وقبّلتها باكية ، و عادت بها . لا يدرك شيئاً من كل هذا.لكنه يبكي خوفاً و ينادي على أُمّه.

يتبع

9 نيسان 2002

موسى غافل الشطري

تعليقات