مسرح العرائس
تتجمع الأمم..
في حظيرة الدول..
بأدب تجلس..
بأدب تستمع..
وتبدأ اجتماعاتها..
بابتسامات المجاملة..
وبعد لغو الكلام..
بنفس الابتسامات..تختتم..
وتعود..
كلما قرع الجرس..
للاجتماع ثانية..
تجلس..تقف..تصفق..
بحرية..
في الدائرة المرسومة لها..تتكلم..
فإن خرجت..
أمة ..
أوخرجت دولة عن الخط..
بالقصف الإعلامي..
وبحجارة الكلمات..
ترجم وتتقزم..
فترجع للحظيرة..
تجرجر بين فخذيها ذيلها..
وبكلماتها تتعثر..
وعيون الفئران..
تراقبها..تلاحقها..
ومما حدث تتعظ وتتعلم..
فالممثل خرج عن النص..
خرج عن طقوس المسرح..
وشروط العقد..
بالتمام لم يفهم..
والمخرج لديه البديل..
وعلى الممثل..
بطريقة أو بأخرى..
الانتحار.. أو الرحيل..
فيبدأ الكاهن الأكبر..العد..
ويصف الدمى..
خطا وراء خط..
وكأنها في ساحة حرب..
استعداداً للقتل و التقتيل..
ويبدأ المخرج..
يشعل الأضواء..يطفئها..
ويشد الخيوط..
يقدم بعض الدمى..
ويؤخر بعض الدمى..
يزين البعض..
يشوه البعض..
يخرس البعض..
وينطق البعض..
فقواعد المسرح..
وقوانينه.. وحيثياتها..
تقتضي تغيير الألوان..
تقتضي التكحيل والتجميل..
ونجاح المسرحية..
يعتمد على الحنكة..
على الحبكة..
وجودة الإخراج..
وإتقان الأدوار والتمثيل..
والجمهور..
مشدود ومشدوه..
يتابع المسرحية..
بأحداثها الكبرى وبكل تفصيل..
فالحكاية حبكت بدقة..
ولسنوات جرت دراستها..
وخضعت للمراجعة والتحليل..
فتبدأ الصحف..
تمهد الطريق..
قصص..
عناوين كبرى..
مبالغة..وتلفيق..
فتشتعل شاشات التلفاز..
بالأضواء والصور..
وتعج بمقابلة الخبراء..
تدعيم القصة وتقديم الدليل..
وتدبج المقالات..
ويتم استقبال الوليدة..
بالزغاريد والتهليل..
فينهمر الرصاص..وتسيل الدماء..
فتنجح وإن بكلفة باهظة..
عملية التزوير والتبديل..
فيتربع المخرج على عرشه..
وبأعرض الابتسامات..
يتقبل التهاني..
ولبعض العرائس..
يكيل المديح والتدليل..
والعرائس مسرورة بدورها..
فمنها من أجاد فن الصمت..
ومنها من أجاد الحمد والتسبيح..
فتسدل الستارة..
لترفع ثانية بسرعة..
فهناك دمى..نسيت دورها..
وهناك دمى في مرحلة التأهيل.
فيقرع الكاهن الأكبر الجرس من جديد..
فتهرع الدمى بأدب لكراسيها..
لتبدأ مجدداً بعروسة هرمت..
أو بأحد العرائس المشاغبة عملية التنكيل.
فيقف الجمهور مندهشا..
لسرعة الأحداث..
وحرفة التأويل وحذاقة التدويل..
فيشتد المد والجزر..
بين المخرج و الجمهور..
وتمضي الفصول..
رغم ركاكة المسرحية..
وضعف التمثيل.
فيعترض الجمهور..
ويملأ الشوارع بالآلاف..
وكالسيل يسيل..
فيوقف المخرج المشهد..
فأحداث المسرحية بالاعتراض اكتملت..
وبالاحتحاجات ..
صورة الديمقراطية تجملت..
فالمسرحية انتهيت..
والثمن دفعه الجمهور..
بتذاكر غير قابلة للترجيع و التبديل..
فالقصة هي..هي..
كل بضع سنوات تتكرر..
وإن تغير المخرج..
وتغيرت التفاصيل..
فالغاية تحققت..
وخشبات المسرح بالدم تغطت..
الجمهور بسذاجته يظن..
أنه أوقف المأساة..
وانه حقق ما كان مستحيل..
فالمخرج بالمال.. آل..
والجمهور حصد سوء المآل..
ففي ظلال الديمقراطية..
يدير المخرج وزبانيته..
أحداث المسرحية..
يبني الديكور..
يهيئ المسرح..
يشعل الأضواء..
يحرك الدمى..
ويواجه العقبات بالمناورة والتذليل..
والجمهور يتابع الأحداث..
بالكاد يدركها..
وبالكاد دون جدوى متأخرا يواجهها..
فآثارها تحققت..
وإلى أحداث أخرى..
ومواقع جديدة..
يتم الانتقال بالجمهور..
بعد أن تم للملايين القتل..
والتشريد والترحيل..
فالدم..
على سجاد المسرح تخثر..
وعلى خشباته..
وبين الكلمات والسطور..
ورائحته تزكم الأنوف..
فلا بدّ إذن من الإزالة والخلع..
ولا بدّ من طلاء الجدران بألوان جديدة..
وطلاء الأركان والسقوف..
فتجري عملية تغيير للديكور والممثلين..
وبقدرة فائقة..تتم.. عملية التمويه..
لتخرج للوجود قصة أخرى..
من بين غبار الأحرف.. وطبقات الرفوف.
فتعود العرائس للمرة الألف..
تجتمع في حظيرة الدول..
تجلس.. بأدب..
تستمع.. بأدب..
وبابتسامة المجاملة..
مثلما بدأت اجتماعاتها..تنتهي..
غسان دلل..
ملاحظة..
كتبت قبل أكثر من خمسة سنوات..
تعليقات
إرسال تعليق