نثر ... من الذاكرة البعيدة 1 .. بقلم الأديبة سعاد زقوت

 🌹(من الذاكرة البعيدة)🌹

         🌹 (..1..)🌹


في صباح يوم خريفي جميل حيث شمسه الهادئة الدائمة... فالصفرة التي تعلو أشجاره وأوراقه ما هي إلا ميلاد لخضرة جديدة...

فبإعتدال طقسه يتيح لنا فرصة ذهبية لنتأمل جمال الطبيعة....

هكذا كان صباحي عندما جلست في البلكونة الوحيدة في بيتي المطلة على الطريق....

أتأمل الأجواء من حولي.. مما يضيف على جلستي الهدوء النفسي والإستمتاع بمناظر الأشجار التي تحف الطريق أمامي....

وشردت بي الذاكرة إلى البعيد.. البعيد...

إلى الماضي قبل أربعين سنة... إلى عامي الثاني بتلك البلاد البعيدة جدا عن أرض الوطن..

حيث تذكرت ذاك العام بكل تفاصيله المملة.. المتعبة .. والمؤلمة... في معظم أوقاته وساعاته... إلا اللحظة التي كنت أعود فيها إلى البيت بعد يوم عمل شاق.. لأرى ضحكة ابني.. لمعان عينيه الجميلتين...

و تعلقه في أطرافي فور دخولي البيت.. ليزيل عن كاهلي عثرات ومتاعب ذاك اليوم..

كانت الحياة متعبة.. مخيفة.. ومرعبة لإبني الصغير.. ومن شدة خوفي عليه صنع له زوجي العزيز سريرا خاصا عاليا عن الأرض خوفا عليه من الحشرات القذرة والخطيرة..

في ذاك البيت.... حيث لا ماء ولا كهرباء... 

فكان هذا العام من أصعب الأعوام الخمسة عشر التي عشتها بعيدة عن الوطن...

لتقرر الظروف في نهاية العام..... ويا له من قرار... وكأن روحي انسلخت من جسدي بهذا القرار.. وهو أن يبق ولدي عند جدته وجده في أرض الوطن... 

كم كان القرار مرعبا.. عقيما.. ومخيفا.. 

كيف لي أن أترك ولدي.. كيف.. يا الله رحمتك... تساؤلات كثيرة دارت في فكري ونفسي ساعتها.. وجميعها لم أجد لها جوابا.... ولكن ما الفائدة... هكذا حكمت عليّ الحياة... فكان لا بد لي من الإستسلام والخضوع لهذه الحياة وهذه الظروف القاسية والتي لم ترحمني يوما... ودوائي الوحيد الصمت والبكاء بعيدة عن كل من حولي...وأنيسي الوحيد دفاتري وأقلامي...


يتبع...

🌹(الكاتبه:سعاد زقوت)🌹

تعليقات